تحليل سياسات,مقالات

تمسك فلسطيني، ورفض صهيوني لمشاركة القدس في الانتخابات: ما هو مصير الانتخابات التشريعية الفلسطينية؟

تمسك فلسطيني، ورفض صهيوني لمشاركة القدس في الانتخابات: ما هو مصير الانتخابات التشريعية الفلسطينية؟

 

 

 

 

لينا شاهين

مقدمة

بعد مضي 16 عاماً على إجراء آخر انتخابات تشريعية فلسطينية، أعلن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس عن إصدار مرسوم رئاسي في الخامس عشر من شهر كانون الثاني/ يناير 2021 يدعو فيه الشعب الفلسطيني في القدس وجميع محافظات الوطن الى انتخابات عامة حرة ومباشرة بالاقتراع السري[1] وفقاً لما جاء في المادة رقم (1) التي نصت على حق الشعب الفلسطيني في انتخاب أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، وذلك يوم السبت الموافق 22 أيار/ مايو 2021، وانتخاب الرئيس الفلسطيني وذلك يوم 31 تموز/ يوليو 2021[2]. ولم تعلق سلطات الاحتلال الإسرائيلي بشكل علني على رفضها إجراء انتخابات في القدس الشرقية، وعلى الرغم من ذلك ترى السلطة الفلسطينية بأن عدم تجاوب إسرائيل يعد عائقًا أمام إجراء الانتخابات في القدس. فقد قال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتيه، أن اسرائيل تمنع أي مظاهر للانتخابات الفلسطينية العامة في شرق القدس حتى الآن[3]، ويرجح السبب في ذلك الى أن مشاركة أهالي القدس في انتخابات فلسطينية ستشكك في السيادة الإسرائيلية على المدينة المقدسة، والاعتراف بها عاصمة لدولة اسرائيل[4]. تتناول هذه الورقة خلفيات ومآلات الانتخابات العامة الفلسطينية في حال منع حكومة الاحتلال الإسرائيلي إجراء أي انتخابات في القدس.

مشاركة المقدسيون في الانتخابات

تتضمن اتفاقية المرحلة الانتقالية الموقعة المبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين اسرائيل الموقعة عام 1993 ملحقاً خاصاً يتعلق بالانتخابات الفلسطينية، تناقش المادة (6) من الملحق ترتيبات الانتخابات في القدس. وقد جاء في بنود المادة (6) بأنه يتم الاقتراع في القدس الشرقية في مكاتب بريد تتبع سلطة البريد الاسرائيلية وعددها 5 مكاتب تضم (11  محطة اقتراع). وطبيعة هذه المكاتب أي حجمها وقدرتها على الاستيعاب لا تتعدى ما مجموعه 5367 ناخباً يوم الاقتراع، ما يتطلب من باقي المقدسيين في منطقة القدس الشرقية الاقتراع في مراكز اقتراع تقام في منطقة ضواحي القدس[5].

وقد قام المقدسيون بالمشاركة في الانتخابات السابقة التي اجرتها السلطة الفلسطينية، ففي عام 1996 أصر الاحتلال على أن تجري في القدس 1 الخاضعة بشكل كامل للاحتلال في مكاتب البريد التابعة للبريد الاسرائيلي فقط، وترسل منها بمظاريف بريد لا تحمل أي اشارة أو أي رمز فلسطيني، وأن يكون عدد المصوتين بما لا يزيد عن القدرة الاستيعابية لمكاتب البريد الخمسة، قبل أن يتم زيادتها الى ستة مكاتب بريدية عام 2006[6].

في عام 2006 تمكن المقدسيون أيضاً من المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية بالرغم من القيود المفروضة عليهم، والتي حدّت من حريتهم أثناء عملية الاقتراع، فخلال الانتخابات وضعت سلطات الاحتلال قيودا من الحواجز شرطة اسرائيلية على كل مداخل القدس، وحولتها الى ثكنات عسكرية[7].

ليس بالجديد على حكومة الاحتلال أن تقوم بمضايقات تجاه أبناء الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة أمام أي محاولات للتعبير عن حقوقهم وحرياتهم، ولكن انتخابات 2021 تبقى معضلة شائكة أمام الاحتلال، وربما لن تكتفي هذه المرة في المضايقات، بل من الممكن أن تصر على منع قيام انتخابات في القدس، وذلك وفقاً للتطورات التي طرأت على مكانة القدس ووضعيتها منذ قيام أخر انتخابات وحتى الآن.

تطور الوضع الراهن وتأثيره على القدس

تسعى سلطات الاحتلال الاسرائيلي جاهدةً لفرض وبسط سيطرتها على القدس بشكل كبير وايجاد خلل في التوازن الديموغرافي لصالح المستوطنين، بحيث يسخر الاحتلال كل الامكانيات لديه لمحو الهوية العربية المقدسية بشتى الوسائل سواء كانت ديموغرافية أو جغرافية[8].

نتيجة الى الأفعال المترجمة على أرض الواقع من الجانب الاسرائيلي بدا من الواضح نيتها الجادة في دمج القدس كاملة لإسرائيل دون السماح لوجود فلسطيني يهدد من سيادتها على الأرض، فبالتالي تبقى حكومة الاحتلال على رأيها فيما يخص الانتخابات الفلسطينية، ومنعها من اقامة عمليات الاقتراع في القدس. وقد عزز ذلك إعلان الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترامب (2017-2021) نقل السفارة الأميركية إلى القدس وعدّها عاصمة لإسرائيل.

خلال السنوات الأخيرة تصاعدت حدة الانتهاكات الإسرائيلية لتهويد القدس. في الانخابات الأخيرة حرصت جميع الأحزاب الإسرائيلية على استغلال القدس في دعايتها الانتخابية، وذلك لجذب عدد أكبر من الناخبين. وخلال السنوات الأخيرة، ومع صعود اليمين المتطرف وسيطرته على المشهد العام في إسرائيل، تصاعد معه عمليات التخطيط لتغيير العامل الديموغرافي في القدس من خلال عزل قرى وأحياء مقدسية، وسحب هويات من المقدسيين بالإضافة الى عمليات الطرد والتهجير الممنهجة كما حدث في حي الشيخ جراح مؤخراً.

التحديات التي تواجه الحكومة الفلسطينية لإكمال الانتخابات

وتبقى السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية متمسكة بأهمية مشاركة القدس في الانتخابات المقررة، فقد أكد عضو  اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير، والمركزية لحركة فتح، عزام الأحمد أنه لا انتخابات بدون القدس[9]، وأصدر عضو المكتب السياسي لحركة حماس، عزت الرشق بياناً صحفياً جاء فيه: “نجدد تأكيدنا واصرارنا على مشاركة أهلنا في القدس من داخل القدس في الانتخابات المقبلة, ترشيحاً وتصويتاً وتمثيلا, كما تم في انتخابات 2006.”[10]

بعد الاصرار الفلسطيني على عدم خوض انتخابات بدون القدس، ومع تعنت الاحتلال ومواصلته في عرقلة عملية الانتخاب قال وزير الخارجية والمغتربين، رياض المالكي “أن بلاده تدرس إمكانية التوجه لمجلس الأمن الدولي للمطالبة باتخاذ قرار بشأن ضرورة سماح اسرائيل بإجراء انتخابات في القدس. واعتبر أن إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس قضية في غاية الأهمية، وعلى اسرائيل وقف خرق الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير بشأن مكانة مدينة القدس.”[11]

من الواضح أن نية الفصائل والسلطة الفلسطينية جدية تجاه إجراء الانتخابات في القدس، فبالتالي أي نية تجاه الغاء أو تأجيل الانتخابات تبقى ضعيفة، فقد عملت السلطة الفلسطينية كل جهدها من أجل الضغط على المجتمع الدولي للسماح بإجراء الانتخابات في القدس. وبذلك، ثمة عدة سيناريوهات ممكن أن تلجأ اليها السلطة الفلسطينية في حال تشبثت اسرائيل في رفضها إجراء انتخابات في القدس ومنها:

  • استمرارية الضغط على المجتمع الدولي: من المحتمل أن تقوم السلطة الفلسطينية بالتوجه الى مجلس الأمن الدولي من أجل الضغط على اسرائيل للسماح لها إجراء الانتخابات في القدس ما لم تغير الأخرى رفضها، وقد صرحت السلطة الفلسطينية عن نيتها لسلك هذا المسار في حال استمرار منع اسرائيل اقامة مظاهر الانتخاب في القدس واعتقال المرشحين للانتخابات.
  • اللجوء الى التأجيل لا الإلغاء: من المحتمل أن تقوم السلطة الفلسطينية بإصدار قرارات بشأن تأجيل الانتخابات لفترة قصيرة لاستكمال الضغط على المجتمع الدولي للسماح لها بإقامة انتخابات تشمل القدس، فالانتخابات التشريعية أصبحت قريبة ولا يوجد نية على الصعيد الاسرائيلي من تغيير رأيها فهي منشغلة بانتخاباتها التي تزامن قيامها مع الانتخابات الفلسطينية كما أن الانتخابات الاسرائيلية المقامة أصبحت أكثر حدة وشراسة بين الأحزاب المتصارعة على الحكم، وربما بعد الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية تلتفت الحكومة الجديدة للعراقيل التي تضعها أمام سير الانتخابات الفلسطينية.

الخاتمة

بناءً على ما تم مناقشته فيما سبق فمن المستبعد أن تلجأ السلطة الفلسطينية الى إقامة انتخابات بدون القدس، بالإضافة الى عدم لجوئها لإلغاء الانتخابات فهذان السيناريوهان غير واردان، فيبقى على السلطة الفلسطينية مواصلة الضغط باتجاه إقامة انتخابات تشمل كافة أنحاء الوطن، والتغلب على العراقيل التي تفرضها سلطات الاحتلال، وفي حال عدم قدرة السلطة الفلسطينية على اجراء الانتخابات في وقتها يتبقى عليها اللجوء الى التمديد والتأجيل بغية استكمال عملية الاقتراع في وقت مناسب، تبقى نية الاحتلال واضحة أمام الاكتفاء بالرفض وعرقلة الانتخابات الا أن السلطات الاسرائيلية تضع نفسها في مأزق التسيب وعدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية الأمر الذي  يجعلها تواجه الاستنكار والرفض الدولي ولن يصل بها الأمر الى فرض الأمر الواقع بالقوة فمن المرجح أن تعاني من ضغوطات دولية تجبرها على تغيير سياستها نحو عرقلة الانتخابات الفلسطينية.

[1] لجنة الانتخابات المركزية-فلسطين, المراسيم الرئاسية وقرارات مجلس الوزراء, مرسوم رقم () لسنة 2021 بشأن الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني, مادة رقم (1).

[2] المرجع السابق.

[3] موقع الاماراتية, اشتية: اسرائيل تمنع مظاهر الانتخابات الفلسطينية شرق القدس, الخميس, 8/نيسان/2021.

[4] صحيفة النهار اللبنانية, منع اقتراع المقدسيين والخلافات داخل “فتح” سببان متحدان منفردان لتأجيل الانتخابات الفلسطينية, الجمعة, 9/نيسان/2021.

[5] لجنة الانتخابات المركزية, الانتخابات  في القدس، الاتفاقيات المتعلقة بالانتخابات.

[6]وليد سليم, المقدسيون والمشاركة في الانتخابات الفلسطينية: المحتوى والآليات, مؤسسة الدراسات الفلسطينية, 15/2/2021.

[7] وليد سليم, المقدسيون والمشاركة في الانتخابات الفلسطينية: المحتوى والآليات, مؤسسة الدراسات الفلسطينية, 15/2/2021.

[8] معاً الاخبارية, الاحتلال يسعى لاحلال خارطته الوبائية في القدس, 10/4/2021.

[9] وكالة سوا الاخبارية, الأحمد: لا انتخابات بدون القدس ولا كلام واجتماع مع الفصائل خلال يومين أو ثلاثة, 10/4/2021.

[10] صحيفة دنيا الوطن, الرشق: لا انتخابات بدون القدس, الاثنين, 5/نيسان/2021.

[11]أيسر العيسى, فلسطين: ندرس التوجه لمجلس الأمن لطلب السماح بالانتخاب في القدس. وزير خارجية فلسطين رياض المالكي أشار الى استمرار الاتصالات مع الأطراف الرباعية الدولية للمطالبة بالضغط على اسرائيل لعدم عرقلة الانتخابات, وكالة الاناضول, 8/4/2021.