تحليل سياسات,مقالات

العلاقات التركية المصرية: بين التهدئة والتوتر

العلاقات التركية المصرية: بين التهدئة والتوتر

 

 

 

مارّيا التلبيشي

مقدمة

شهدت العلاقات التركية المصرية توتراً منذ الانقلاب الذي شهدته مصر في تموز 2013، وما تلاه من قمع وقتل لمعارضي الانقلاب العسكري في ميدان رابعة العدوية في القاهرة. ومن هنا اتخذت تركيا موقفاً واضحاً من الأحداث التي شهدتها مصر. إذ اعتبرت تركيا أن ما حدث في مصر هو انقلاباً عسكرياً يخالف وينافي مبادئ الديمقراطية وقيمها.[1] هذا الموقف التركي أدى الى قيام الأخيرة بسحب السفراء وممثليها الدبلوماسيين، وتراشق الطرفين الاتهامات المتبادلة. فكان واضحاً أن الموقف التركي تجاه مصر أدى الى التأثير في العلاقات الرسمية القائمة بين الدولتين.[2] تتناول هذه الورقة التوجهات التي اتخذتها الحكومة التركية تجاه مصر في فترة ما بعد مجيء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. والمستجدات التي قد تشهدها الساحتين المصرية والتركية، وأثرها على العلاقة القائمة ما بين البلدين. في ظل زيادة حدة الخلاف بين البلدين مع التطورات التي تشهدها المنطقة.

 

بداية توتر العلاقات المصرية التركية

شكّل وصول الرئيس المصري السابق محمد مرسي لسدة الحكم في جمهورية مصر طريقاً جديداً لتركيا من أجل تكوين خريطة جديدة في الشرق الأوسط. حيث كان النموذج التركي ملهماً بالنسبة لحركة الإخوان المسلمين في مصر، إذ كانت تركيا حينها حليفاً قوياً بالنسبة لمصر.[3] ولكن بدأ التدهور في العلاقات المصرية التركية في عام 2013 بعد سقوط حكم مرسي “جماعة الإخوان المسلمين التي كانت مدعومة من قبل الجانب التركي.[4] وبالتالي اتسمت العلاقة ما بين البلدين بالتوتر، والاضطراب بسبب التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي أردوغان بسبب سقوط حكم الاخوان المسلمين. والتي اعتبرتها تركيات بأنها انقلاب عسكري على العملية الديمقراطية والشرعية السياسية. وليست ثورة شعبية تطالب بإسقاط حكم الاخوان المسلمين، نتيجة فشلهم الذريع في إدارة شؤون الدولة خلال عام من حكمهم للبلاد.[5]

ومع إعلان نتائج الانتخابات المصرية بفوز عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، نشأت أزمة جديدة بين تركيا ومصر. عندما استدعت الخارجية المصرية القائم بالأعمال التركي للاحتجاج على تصريحات نُقلت عن نائب رئيس الوزراء التركي، واصفاً الانتخابات المصرية التي جرت بأنها كوميدية.[6]

يتضح مما سبق، أنه منذ الإطاحة بحكم الرئيس المصري السابق محمد مرسي، تعمدت السياسة التركية بوصف ما حدث بأنه انقلاب عسكري. وسعت لتوجيه الانتقادات لكل طرف يساند ذلك، وكان ذلك واضحاً في الخطابات التركية واللقاءات الإعلامية والحزبية. ولذلك، يعد هذا الانقلاب النقلة النوعية في العلاقات المصرية التركية والتي تركت تداعيات على العلاقات المصرية التركية.

 

نحو المصالحة التركية المصرية

بدأت المحاولات في عودة العلاقات التركية المصرية، وذلك من خلال محاولة تركيا للتقارب مع القاهرة والتي بدأت خلال الفترة الماضية، بعد انقطاع في العلاقات وتحديداً الدبلوماسية قرابة 7 سنوات. وكانت المحاولة التركية في عودة العلاقات التركية المصرية قد جاءت على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية “إبراهيم قالن” من خلال ابداء رغبته في عودة العلاقات المصرية التركية.[7] ويمكن النظر للتقارب التركي المصري، من باب المصلحة التركية، وخاصة أن مصر تعتبر البوابة التركية الى إفريقيا، وسوقاً لتصريف بضائعها، إضافة الى الآمال المصرية في نقل التجربة والتكنولوجيا والاستثمارات التركية، بعد توتر العلاقات المصرية التركية، والتي تركت تداعيات على العلاقات ما بين الطرفين.[8]

ففي شهر سبتمبر من عام 2020، لمّح الرئيس التركي أردوغان، بأنه على استعداد للحوار مع القاهرة، وأن هذا الأمر ممكناً، في ظل وجود مساحة مشتركة للتفاهم بينهما. وتحديداً مسألة ليبيا والشرق الأوسط، في محاولة تركية للنظر الى هذا الجانب من ناحية إيجابية.[9] في الوقت الذي تبادلت فيه مصر وتركيا نزاعات لفترة قصيرة، عندما طالبت الأخيرة من مجلس الأمن عام 2013 بفرض عقوبات على مصر، فكان الرد المصري عام 2014، بالضغط ضد ترشح أمريكا في حصولها على مجلس الأم. ووصلت العلاقات الى حد التدهور، بعد أن أعلنت مصر قرارها بضرب موقع داعش في ليبيا.[10] وكمبادرة لحل التوتر الذي طال سنوات طويلة، بدأت المشاورات المصرية التركية على مستوى مخابراتي بشأن الأوضاع الليبية.[11] بعد مواجهات تركية مصرية في الملف الليبي، بسبب مساندة تركيا لحكومة طرابلس، فيما كان الدعم المصري والإمارات للسلطة الموازية في شرق البلاد.[12]

إذن، يتضح أن التنافس الإقليمي التركي المصري، كان سيقود الى حالة من الحرب الاهلية في ليبيا تحديداً وانزلاق المنطقة للفوضى، ومن هنا بدأت سياسة التلميح التركية من أجل طرح بوادر لعودة العلاقات المصرية التركية.

 

المستجدات في العلاقات المصرية التركية

بدأت الإشارات الإيجابية في العلاقات التركية المصرية، قبل عدة أشهر، وتحديداً حول مسألة ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط. بعد إعلان وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر بأن الأخيرة تطرح مزايدة عالمية للتنقيب عن البترول والغاز في العام الجاري لما يقارب 24 منطقة، والتي تشمل 9 مناطق للبحث والتنقيب في البحر المتوسط. و12 منطقة في الصحراء الغربية، و3 مناطق في خليج السويس.[13] وكانت قد أعلنت مصر أنها تحترم الجرف القاري التركي خلال أنشطتها للتنقيب شرق المتوسط.[14] وهذا يعني أن بوادر المصالحة بدأت تأخذ شكلاً جدياً على أرض الواقع، ولكن في السياسة لا يدوم كل شيء، فسرعان ما تعود العلاقات لتتوتر مرة أخرى.

جاء هذا التوتر، في ظل وجود منصات ووسائل إعلام مصرية معارضة في إسطنبول، وعلى رأسها قنوات الشرق ومكملين ووطن. والتي ركزت في آخر السنوات الثمانية الماضية على عرض برامج سياسية مناهضة للنظام المصري. وفجأة وبسبب قرارات جديدة اتخذتها قنوات مصرية معارضة تُبث من إسطنبول، تقرر إيقاف حلقات العديد من برامجها السياسية، وهذا جاء نتيجة بلاغ تركي تلقته القنوات بخصوص هذا الشأن.[15] ولذلك يتضح أن الكثير من القنوات المعارضة المصرية تعمل في تركيا لأسباب تعود لوجود جاليات كبيرة أو لقلة تكلفة التدشين.[16]

رحبت مصر بقرارات الحكومة التركية الذي اتُخذت تجاه القنوات المصرية الموجودة على الأراضي التركية. وهذا ما عبر عنه وزير الإعلام المصري أسامة هيكل بقوله إن هذا القرار “يمكن أن يخلق مناخاً مشجعاً للحوار بين البلدين وحلّ المشاكل العالقة بينهما منذ سنوات”. وتوقع أن “يلتزم الإعلام المصري بالتهدئة حيال تركيا حتى يسمح بخلق مناخ ملائم للتفاوض.”[17] فماذا الذي حصل؟

بدأ وجود قنوات المعارضة المصرية في تركيا، طوال السنوات الماضية التي شهدت فيها البلدين خلافات وتوترات مستمرة. وخلق هذا المناخ الداعم للمعارضة المصرية الموجودة على أرض تركيا ظروفاً ملائمة لإطلاق عدداً من القنوات الإعلامية الذي يصعب وجودها في مصر. وتحديداً بعد إغلاق قنوات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين بعد ساعات من عزل الريس المصري السابق محمد مرسي.[18]

لذلك، كان الموقف التركي تجاه القنوات المصرية المعارضة الموجودة على أرضها، متمثلاً بضرورة ضبط خطابها. وشكل هذا الطلب التركي صدمة للمعارضة المصرية التي عملت طوال السنوات الماضية، بحرية تامة، وتحديداً في المجال الإعلامي. وبالتالي كان الطلب التركي يتمثل في تعديل الخطاب، وليس في إغلاق القنوات المعارضة، وذلك رغبة من تركيا في الحفاظ على طريق تقاربها مع مصر بعد سنوات طويلة من الانقطاع.[19]

حيث تركز برامج قنوات المعارضة المصرية في تركيا على معارضة النظام المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي تعتبر من نقاط الخلاف القائمة ما بين البلدين.[20] ولذلك ومع بوادر الحلول التي كانت قائمة بين البلدين، بدأ التخوف من توتر العلاقات، أو ترحيل المعارضين الى مصر. وهذا من شأنه أن يخلق توتراً وتداعيات في العلاقات ما بين البلدين. وبدوره يحمل معه العديد من السيناريوهات حول طبيعة العلاقات المستقبلية بين مصر وتركيا في ظل القرارات الجديدة.

 

السيناريوهات المحتملة

بعد انقطاع سنوات طويلة في العلاقات المصرية التركية، والسعي لطرح الحلول ما بين الطرفين، جاء قرار إغلاق قنوات المعارضة المصرية على أرض تركيا كصدمة في الترتيبات ما بين البلدين. في ظل التخوف من عودة التوتر الذي كان قائماً في السابق، وهذا بدوره يطرح مجموعة من السيناريوهات المحتملة لطبيعة العلاقات التركية المصرية:

السيناريو الأول: توتر العلاقات ما بين الطرفين. من المحتمل أن تقوم مصر بتأجيج موقفها تجاه تركيا، ورفضها للموقف التركي الذي نادى بضرورة إعادة العلاقات المصرية التركية. ويأتي هذا الموقف المصري نتيجة القرار الذي اتخذته الحكومة التركية حيال قنوات المعارضة المصرية الموجودة على الأراضي التركية. وهذا من شأنه أن يزيد من حالة التوتر في العلاقات القائمة ما بين الطرفين، ورفض مصر الاقتراح التركي في إعادة العلاقات وانهاء حالة التوتر. ووفقاً لما تقدم، من المستبعد حدوث هذا السيناريو بسبب تغليب المصالح على الخلافات.

السيناريو الثاني: استمرارية الوضع الراهن. من المحتمل أيضاً أن يستمر الوضع الراهن على ما هو عليه، من خلال إبقاء حالة التوتر القائمة بين مصر وتركيا. دون بوادر لحل الخلاف، بسبب الإعلان التركي الذي تمثل في إيقاف قنوات المعارضة والتي كانت الشرارة التي أعادت حالة التوتر القائمة بين الطرفين منذ حادثة عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي. الى حين الموقف من ليبا، والعديد من القضايا الأخرى. ولكن من المستبعد تحقيق هذا السيناريو بسبب وضوح الرغبة المصرية والتركية في إعادة العلاقات ما بين الطرفين.

السيناريو الثالث: تجاوز الخلافات لإبقاء المصالح. من المحتمل أن تلجأ كل من مصر وتركيا الى تطويع الخلافات القائمة ما بين البلدين منذ عام 2013، حتى اليوم. وهذا السيناريو الأكثر توافقاً على أرض الواقع، والتي كانت بوادره قد ظهرت مع الإعلان التركي في الرغبة لعودة العلاقات مصر. ويبدو أن هذا لم يأتي من فراغ، وإنما قائم على أساس تحقيق المصالح ما بين الطرفين. من خلال تغليب المصالح على الخلافات بما يحقق الأهداف والغاية من ذلك لكل من مصر وتركيا على حد سواء.

 

الخاتمة

بناءً على ما سبق، من المستبعد أن تلجأ مصر أو تركيا الى خطوات تصعيدية جديدة، كون أن البلدين يسعيان الى الحفاظ على المصالح القائمة ما بين البلدين. بعد قطيعة دامت سنوات أثرت على شكل العلاقات المصرية التركية، وسرعان ما تحولت العلاقات المتوترة ما بين البلدين الى درجة مغايرة يمكن قراءتها وفهمها من التصريحات التركية الإيجابية نحو مصر. وبالتالي من المتوقع أن يتجاوز البلدين الخلافات لإعادة العلاقات فيما بينهم، كون أن المصالح هي المحرك الأساسي في العلاقات ما بين الدول.

[1]  محمود سمير الرنتيسي، “تركيا ومصر بعد فوز السيسي: سيناريوهات العلاقات،” مركز الجزيرة للدراسات، حزيران 2014، 3.

[2]  المرجع السباق.

[3]  مشعل محمد السرحان، أثر المتغيرات الإقليمية على العلاقات المصرية التركية 2011-2017، رسالة ماجستير، جامعة آل البيت، 2019، 46.

[4]  “إعادة العلاقات التركية المصرية: حقيقة أم وهم،” موقع سبوتنك العربي، آذار 2021.

شوهد في: 5\4\2021: https://bit.ly/3mjq88Q

[5]  نيبال عز الدين جميل، “أثر التحولات الثورية على السياسة الخارجية التركية تجاه مصر 2011-2015،” مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، العدد 1 (يناير 2016)، 134-135.

[6]  محمود سمير الرنتيسي، “تركيا ومصر بعد فوز السيسي،” 5.

[7]  “تركيا تغازل مصر: محاولة للاقتراب من الخطوط الحمراء،” وكالة العين الإخبارية، أكتوبر 2020.

شوهد في 5\4\2021: https://bit.ly/3miPHa5

[8]  “تطورات متسارعة في العلاقات التركية المصرية وسط تصريحات إيجابية،” موقع ترك برس، آذار 2021.

شوهد في 5\4\2021: https://www.turkpress.co/node/79207

[9]  علي الادين هلال، “الجديد في العلاقات المصرية التركية،” وكالة العين الإخبارية، آذار 2021.

شوهد في 5\4\2021: https://al-ain.com/article/new-in-the-egyptian-turkish-relations

[10]  مشعل محمد السرحان، أثر المتغيرات الإقليمية على العلاقات المصرية التركية،” 84-85.

[11]  نهى محمود، “نحو المصالحة مع تركيا: مصر الملف الأصعب وإردوغان قد يضحي بشرق المتوسط،” موقع الحرة، يناير2021.

شوهد في 5\4\2021: https://arbne.ws/39JIOcL

[12]  “مصر تؤكد وجود اتصالات مع تركيا وتضع شروطاً لعلاقات طبيعية،” موقع DW الإخباري، آذار 2021.

شوهد في 5\4\2021: https://bit.ly/3fF7uaf

[13]  ” مصر وتركيا: مزيد من الإشارات الإيجابية فهل اقتربت المصالحة؟،” موقع DW الإخباري، نيسان 2021.

شوهد في 5\4\2021: https://bit.ly/3um5SX4

[14]  “وزير الدفاع التركي يثُمن احترام مصر حدود الجرف القاري لبلاده،” موقع DW الإخباري، آذار 2021.

شوهد في: 5\4\2021: https://bit.ly/3cR3H7G

[15]  ” قنوات المعارضة المصرية بتركيا تعلن وقف عرض حلقات برامج سياسية. ما الذي حدث بالضبط؟،” موقع الجزيرة الإخباري، آذار 2021.

شوهد في 5\4\2021: https://bit.ly/3wpV0cv

[16]  محمود سامي، “بين التهدئة والتوتر: سيناريوهات العلاقات المصرية التركية عام 2021،” موقع الجزيرة الإخباري، ديسمبر 2020.

شوهد في: 5\4\2021: https://bit.ly/3cNdfR9

[17]  “ما هو لب الخلاف بين تركيا ومصر،” موقع BBC الإخباري، آذار 2021.

شوهد في: 5\4\2021: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-56464441

[18]  المرجع السابق.

[19]  جابر عمر، “أنقرة تطالب القنوات المصرية المعارضة بضبط خطابها،” موقع العربي الجديد، مارس 2021.

شوهد في 5\4\2021: https://bit.ly/39CR4LJ

[20]  ما هو لب الخلاف بين تركيا ومصر،” موقع BBC الإخباري، آذار 2021.

شوهد في: 5\4\2021: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-56464441