تحليل سياسات,مقالات

في الطريق إلى التشريعي: تجاوز الانقسام بخلق انقسامات جديدة

في الطريق إلى التشريعي: تجاوز الانقسام بخلق انقسامات جديدة

 

 

 

 

جمانة اعبيد

مقدمة

عقب إعلان لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية إقرار كافة القوائم التي تقدمت بالترشح لخوض المنافسة الانتخابية، يتسابق على مقاعد المجلس التشريعي والبالغ عددها ١٣٢ مقعداً، ست وثلاثون قائمة انتخابية تضم ١٣٨٥ مرشحاً و مرشحة – بمراعاة الكوتة النسائية طبعاً. هذه القوائم التي ظهرت بلمح البصر، و قررت دخول معترك الديمقراطية التي غابت أو غيبت خمسة عشر عاماً. وقد جاء كل ذلك بعد قرار المحكمة الدستورية – وبتوجيهات من الرئيس- بحل المجلس التشريعي و ضرورة إجراء انتخابات تشريعية عاجلة[1].

كان لافتاً للأنظار قبول اللجنة المركزية لكافة القوائم التي قدمت طلبات الترشح، أم الأكثر غرابة هو العدد غير المسبوق من القوائم التي ترشحت هذه المرة، في بلد عاش لأكثر من عقد دون أي ممارسة حقيقية لأحد أشكال الديمقراطية. سواء كان ذلك على صعيد مؤسسات الدولة ونقاباتها، أو حتى ضمن البيت الداخلي للأحزاب السياسية. فهل تُتبع هذه البداية بنهاية ديمقراطية حقيقية، تطوي معها صفحة انقسام زعزع كل الثقة بصناديق الاقتراع؟ أم أنها ستنتقل بنا إلى ثقب أسود أعمق من السابق يتحول فيه الوطن إلى انشقاقات أكثر تفتتاً وفرقة؟

” تعديل قانون الانتخابات”

تخضع التجربة الديمقراطية التي يخوضها الشعب الفلسطيني هذه المرة لكثير من المقارنات بالتجربة الانتخابية السابقة منذ خمسة عشر عاماً، على أمل أن يتمكن من تجاوز أخطاء سابقة أوقفت رياح الديمقراطية عن الهبوب في مضاربه. أبرز ما جذب المراقبين كان ارتفاع عدد القوائم المرشحة والتي تجاوزت عددها في العام ٢٠٠٦ بـ خمس وعشرين قائمة إضافية.

جاءت هذه القفزة في أعداد القوائم بعد أن امتثلت لجنة الانتخابات لقرار رئيس السلطة الفلسطينية الصادر عام ٢٠٠٧، والذي يقضي بإلغاء قانون الانتخابات الفلسطيني رقم (٩) لعام ٢٠٠٥، ليصبح نظام التمثيل النسبي هو النظام الانتخابي الذي يحكم إجراء أي انتخابات تشريعية لاحقة. باعتبار الوطن كله دائرة واحدة يتنافس عليها كافة المرشحين. وبموجبه سوف تحصل كل قائمة تعدت نسبة الحسم (١.٥٪) على عدد مقاعد في المجلس يتناسب وعدد الأصوات التي حصلت عليها على مستوى الوطن[2].

ومع الانتخابات، كان للشعب الفلسطيني تجربة ديمقراطية سيئة الذكر أوصلت إلى انفصال بين أجزاء الوطن الواحد وبين أبناءه. لذلك وفي حين أن الكثيرين متخوفون من إعادة تلك التجربة، إلا أن هناك متفائلون يرون فيها بارقة أمل لإرساء أسس ديمقراطية. حيث أشار رئيس الوزراء محمد اشتية في كلمة له  “سعداء بالأجواء الإيجابية المحيطة بإجراء الانتخابات، ونريد لها أن تكون بوابة لتجديد حياتنا الديمقراطية، وتوحيد الوطن على أسس من الحق، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، والشراكة الوطنية”[3].

” كثير من المستقلين، لا نعلم استقلاليتهم”

أعلنت لجنة الانتخابات المركزية أسماء وبرامج القوائم الانتخابية المتقدمة لدخول المنافسة على مقاعد التشريعي ، موضحة أن ٦ فقط من أصل ٣٦ قائمة هي قوائم حزبية مثل قائمة “التغيير وإنهاء الانقسام” وهي قائمة حزبية للمبادرة الوطنية الفلسطينية، قائمة “القدس موعدنا” وهي قائمة حزبية لحركة “حماس”، بالإضافة إلى قائمة “فتح ” الحزبية.

أما القوائم الثلاثون المتبقية فقد توزعت على “المستقلين ” كما صنفوا أنفسهم، كقائمة محمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح والتي حملت اسم ” المستقبل”، يقابلها قائمة “الحرية” التي أسسها ناصر القدوة بدعم من الأسير والقيادي في فتح مروان البرغوثي. ناهيك عن قائمة الوزير الأسبق مفيد الحساينة التي تحمل اسم ” فلسطين للجميع”، زد على ذلك قائمة “معاً قادرون ” التي يترأسها رئيس الوزراء السابق سلام فياض.

بهذا الكم من القوائم وأعداد المرشحين، طفى سؤال الوعي الديمقراطي إلى السطح ليؤرق كثير من المتابعين للشأن الانتخابي الفلسطيني. فهل وصلنا في فلسطين إلى قدر من الوعي السياسي لأليات تطبيق واستخدام مظاهر الديمقراطية  بعد غياب طويل لأي من أدواتها؟ و أين كان هؤلاء الناشطين قبل ١٥ عاماً حين لم يحتمل وعاء الوطن أن يتشاركه المختلفون في نتائج انتخابات العام ٢٠٠٦، فاضطروا إلى تقسيمه مادياً ومعنوياً في عقول الشعب حتى أصبحنا نحن وهم.

لكن عند اتخاذ القرار بعقد الانتخابات، و قرار اعتماد التمثيل النسبي كنظام انتخابي أتاح لهذا الكم من المرشحين بالمشاركة هل تم دراسة مدى قدرة هذه التوليفات المختلفة جذرياً في بعض الأحيان كالاختلاف بين قائمة المستقبل وقائمة القدس موعدنا أو حتى قائمة فتح الرسمية. هل تستطيع تلك القوائم علاوة على القوائم العشائرية – والتي من المؤكد- تختلط فيها الميول السياسية لمرشحيها بتوجهات عائلية قد لا تلتقي وبرامج القوائم الأخرى. و الآن هل نحن جاهزون للانتقال من انقسام حزبي نحو تفتت أوسع نطاقا!

بنظرة المتفائل يرى أحمد مجدلاني، الأمين العام للجنة النضال الشعبي أن اتباع هذا النظام يعطي فرصة أكبر لتحقيق تنمية سياسية لأن أساس التنافس بين القوائم سيكون مستنداً على أفضلية البرامج الحزبية السياسية، الأمر الذي يحد من نشوء نزاعات مناطقية أو عشائرية أو فردية[4]. لكن الواقع يعكس خلاف ذلك لأن سلوك الناخب الفلسطيني يؤكد يخلط دوماً ما بين انتماءاته الصغرى المناطقية أو العائلية، بانتماءاته السياسية نحو قضاياه الكبرى. ومع هذا فهو لا يثق بأي طرف غير سياسي، وهذا ما يجعل الحراكات والمبادرات غير السياسية أقل حظاً في كسب ثقة الناخب.

إن الأعقد من مسألة كثرة عدد القوائم المتقدمة، هو نظرتها للغاية من وجود المجلس التشريعي، فبينما يمثل للبعض منبراً للممارسة السياسية الديمقراطية وتمثيل توجهات أبناء الشعب على مستواها الوطني. يعتبره أخرون منبراً خدماتياً كما هو دوره في دول ديمقراطية أخرى تحقق من خلاله حاجات الشعب على مستواها الاقتصادي أو البيئي أو القيمي حتى.

وفيما يعتقد قيس عبد الكريم الأمين العام للجبهة الديمقراطية أنه أمر إيجابي على اعتبار أن نظام التمثيل النسبي سوف ” يعكس الوزن الحقيقي للقوى و الأحزاب المشاركة بين صفوف الناخبين”[5] ، قد يخيب أمله واقعياً حيث تبرز التوجهات الحقيقية الدقيقة للناخبين، فمن كان قد يصوت لحركة فتح على اعتبارها القائمة التي تمثل توجهه السياسي العام. الأن قد يصبح أكثر تحديداَ ليتوجه لقائمة من القوائم المنبثقة عن الحركة وتعكس اختلافاً داخلياً فيها. ورغم جمالية المشهد الديمقراطي الذي يصوره تعدد القوائم المرشحة إلى أنه يعمل فعلياً على هدر في أصوات الناخبين وتشتيت لرغباتهم. خصوصاً إذا ما نظرنا واقعياً للبنية القيمية للشعب الفلسطيني والتي لا تحمل في ثناياها تجارب ديمقراطية زاخرة ومشرقة. حتى اضطر الرئيس إلى التأكيد على الحريات بمرسوم رئاسي  أصدر في العشرين من فبراير للسنة الحالية مؤكداً في مواده الرابعة والخامسة على تعزيز الحريات العامة من خلال وقف أي اعتقالات على خلفيات سياسية أو نتيجة لأي اختلاف قد تفرزه صناديق الاقتراع، كذلك يدعم منح فرص متكافئة لكافة المتقدمين على وسائل الإعلام الرسمية فيما يتعلق بالدعاية الانتخابية أو طرح البرامج[6].

فإذا كان هذا التنوع ينم عن تعطش كبير لممارسة الحريات، هل يعني ذلك بالضرورة أن الحرية قيمة مترسخة في بنية الشعب الفكرية؟! وإذا كانت كذلك فلماذا احتاجت لمرسوم رئاسي لتأكيد ممارستها!

هل يمكن أن نكرر تجربة إسرائيل في التشكيل الحكومي؟!

يوقفنا هذا التنوع غير المدروس في برامج وتوجهات القوائم المرشحة أمام تساؤل مركزي حول ماهية الإتلاف الحكومي الذي يمكن أن يفرز عن مجلس تشريعي يختلف أطرافه استراتيجياً وبشكل جوهري في الأهداف المرجوة. هذا في حال افترضنا أن هناك توافق بين الأطراف الفائزة لتشكيل هذا الإتلاف. فهناك قوائم أفرزت عن خلافات داخلية لدى بعض الأحزاب لتقدم نفسها كمنافس لها، فإذا ما انشطر الناخبون بنفس الشكل سوف نشهد ترحيلاً للمشاكل الداخلية على المستوى الخارجي الأوسع وحينها تقع أزمة توافق قد تطول أو تعمق انقسامات أكثر تفتتاً من سابقتها.

لابد أن يكون المأزق الذي وقعت فيه إسرائيل -قريب العهد – أمام ناظرينا، حتى نتوقع سيناريوهات تشكيل الحكومة المرتقبة والتي قد تفرز عن صناديق الاقتراع، تلك التي تحمل مدخلاتها تداخلات عديدة في عقول الناخبين. سواء على صعيد الانقسام السياسي، أو الميول الفئوية العشائرية – والتي تجلت بوضوح في عدد القوائم العشائرية المرشحة- كتجمع الكل الفلسطيني، أو فلسطين تجمعنا مثلا.

ففي هذه الأثناء تقف إسرائيل حائرة حول شكل الحكومة المرتقب، بعد أن دعا الرئيس ريفلين، رئيس حزب الليكود إلى تشكيل الحكومة المقبلة، حيث لم تحسم الانتخابات أغلبية لأي من المعسكرين الكبريين في إسرائيل. و بتكليف نتنياهو الأسبوع السابق لتشكيل حكومته يبقى الباب مفتوحا للعودة إلى الوراء. و اللجوء إلى صناديق الاقتراع مجدداً. خصوصاُ وأن كثيرين لا يحبذون خيارات نتنياهو في تكوين الحكومة. فهل يمكن أن يكون مصير الانتخابات الفلسطينية التشريعية هذه المرة كمصير انتخابات غريمها الأزلي إسرائيل؟

لابد و أن نمعن النظر في التجربة الإسرائيلية حقاً، خصوصاً وأننا نستبق السيناريوهات. فبينما احتمال الرجوع إلى صناديق الاقتراع في إسرائيل يأتي بعد محاولات تشكيل الحكومة مراراً. تلوح أطراف فلسطينية كثيرة بإلغاء الانتخابات خلف مبررات تتعلق بالقدس و مشاركتها من عدمه. لكن الواضح أنه تجاوز للأزمة المرتقبة في عدم تمكن أي طرف من الحصول على أغلبية في الانتخابات؟ و إذا ما اضطرر إلى ذلك فإن تجاربنا الائتلافية غير مبشرة. سواء على صعيد انتخابات العام ٢٠٠٦، أو على مستوى المجلس الوطني الفلسطيني.

خاتمــــــــة

ختاماً لابد و أن يعمد الناخب الفلسطيني إلى قراءة معمقة واعية للبرامج الانتخابية الكثيرة المطروحة أمامه، والتي قد تكون لا تضم اختلافات جوهرية في توجهاتها، إنما تحمل رتوشاً بسيطة في آليات تنفيذها. هذا بعد أن يكون الناخب مدركاً تماماً لتصوره حول حاجاته من المجلس التشريعي الذي يمثل قضاياه الكبرى و الأكثر أولوية بالنسبة له. مع التركيز على عدم الانسياق وراء اختلافات داخلية أو حتى مخاوف مسبقة أو ميول فردانية شخصية. مستفيداً من التجارب السابقة التي شكلت فيها حكومات مستقلة أخذت التوجه الاقتصادي محوراً مركزياً أساء للتجربة الوطنية وأوقعها في مأزق أكبر من المأزق الدبلوماسي الذي تعانيه، كحكومة رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض. أو حكومات أخرى اعتبرت القضايا السياسية الكبرى أولوية عاجلة كقضايا العودة و التوطين، مهملة عجلة التنمية الاقتصادية أو السياسية والتعليمية متناسية دورها هذه الأدوات في الوصول إلى حلول عملية للقضايا المحورية في القضية. وفي مقابل ذلك لابد أن تعي القوائم المرشحة تماماً دورها في تقديم برامج انتخابية واضحة التوجهات والمرتكزات، و أن لا تجعل ثقلها كله في مسألة تجاوز الانقسام كوسيلة جذب إعلامية للتأثير في اللاوعي الشعبي، حتى تصطدم في نهاية الرحلة الانتخابية برفض نت الوعي الشعبي الذي لن يكون رحيماً في محاكمة أداءها خصوصاً بعد التعطش لتجربة كهذه قد تعني له بداية مسار وطني تنموي جديد.

[1]  نص قرار المحكمة الدستورية بشأن حل التشريعي وإجراء الانتخابات، وكالة الأنباء الفلسطينية ” وفا” https://wafa.ps/Pages/Details/16179

[2]  قرار بقانون رقم (١) لسنة ٢٠٠٧ بشأن الانتخابات العامة، لجنة الانتخابات المركزية – فلسطين https://www.elections.ps/tabid/670/language/ar-PS/Default.aspx

[3]  اشتية: سعداء بالأجواء الإيجابية المحيطة بإجراء الانتخابات

[4]  التمثيل النسبي الكامل … فرصة للجميع، وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”  https://www.wafa.ps/Pages/Details/16670

[5] نفس المصدر.

[6]  https://www.wafa.ps/Pages/Details/18118