تحليل سياسات,مقالات

بين أوباما وترامب: ما هي استراتيجية بايدن فيما يتعلق بالشأن الإيراني؟ هل من بوادر لحل الخلاف

بين أوباما وترامب: ما هي استراتيجية بايدن فيما يتعلق بالشأن الإيراني؟ هل من بوادر لحل الخلاف

 

 

 

 

نداء حمدي محمد دبعي

 

مقدمة

تنطلق الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها الدولية بناءً على مصالحها الاستراتيجية، وخدمة أهدافها وأطماعها المتعلقة بالهيمنة والسيطرة. وزادت هذه النظرة الأمريكية مع صعودها لتكون كقوة دولية كبرى، مترأسة النظام الدولي.[1] ولطالما كان البعد الإيراني محوراً مهماً في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية على مختلف الإدارات التي تعاقبت على الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية.[2] ويعتبر عام 1953 تاريخاً مهماً في العلاقات الأمريكية الإيرانية والذي زاد فيه التحالف الأمريكي الإيراني بعد الإطاحة برئيس محمد مصدق من خلال المخابرات الأمريكية.[3] ورغم ذلك كان التاريخ المفصلي في العلاقات الأمريكية الإيرانية هو الثورة الإسلامية عام 1979، والتي أدت الى سقوط الحكم الحليف للولايات المتحدة الأمريكية، لينتهي بذلك الحلف الأمريكي الإيراني المشتركة وتبدأ مرحلة العداء الذي ما زال موجوداً حتى اليوم.

بدأ هذا الخلاف يتلاشى مع حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والذي توج في توقيع اتفاق 5+1. كسياسة لتخفيف حدة العداء مع الدول المعادية له، وتحقيقه لإنجاز تاريخي قبل انتهاء حكمه، ليعود الهدوء في هذه الفترة.[4] ومع وصول دونالد ترامب للحكم، عادت العلاقات الأمريكية الإيرانية للتأزم بسبب إعلان ترامب انسحابه من الاتفاق النووي. وأن التقارب مع إيران لا جدوى منه، واعتبر الاتفاق غير مجدي طالما إيران تستمر في نشاطها الداعم للحركات الإرهابية.[5] ورغم حالة التوتر التي طالت العلاقات ما بين البلدين خلال فترة حكم الرئيس السابق ترامب، كان موقف جو بايدن الرئيس الأمريكي الحالي. من خلال تسريبات أبدى فيها بايدن رغبته في إحياء الاتفاق النووي من جديد مع اتخاذ خطوات من قبل الجانبين.[6]  تتناول ورقة الموقف التوجهات سابقة الذكر، التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران. ورغبة الولايات المتحدة اليوم في إنهاء الخلاف الذي كان قد اندلع مرة أخرى في فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وما أثر سياسة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم على شكل العلاقات الأمريكية الإيرانية.

العلاقات الأمريكية الإيرانية: بين التوتر وفرض العقوبات

بدأت تنظر الولايات المتحدة الأمريكية الى إيران مع نهاية الحرب العالمية الثانية بأنها جزء من استراتيجيتها القائمة على إيجاد أحلاف. بما يشكل لها حزاماً أمنياً من أجل منع وصول الاتحاد السوفيتي للمنطقة. في الوقت الذي شهد فيه العالم حينه تنافساً بين قوتين “الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.”[7] وبسبب العلاقة القوية التي ربطت كل من إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية في فترة حكم الشاه محمد بهلوي. تم انشاء منظمة الطاقة النووية الإيرانية ومركز طهران للبحوث النووية، تحت موافقة وإشراف الولايات المتحدة الأمريكية. [8]

ولذلك، كان واضحاً أن بداية العلاقات الأمريكية الإيرانية كانت قائمة على توافق وتفاهم، في الوقت الذي كان اتجاه إيران في برنامجها النووي سلمياً بغرض توليد الكهرباء. ولم يكن في ذات الوقت أي اعتراض من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بحكم العلاقات التي تربط الطرفين. [9]

ولكن سرعان ما اختلف الوضع القائم حينها، لتشهد العلاقات الإيرانية الأمريكية توتراً مع سقوط نظام الشاه الموالي للولايات المتحدة عقب اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979. ليُفرض منذ وقتها عقوبات أمريكية على إيران لا زالت تعاني منها حتى اليوم، وهذه الأحداث أبقت العلاقة متوترة ما بين الطرفين.[10]

وفي فترة الثمانينيات من القرن الماضي، فرض على إيران حظراً على كل الصادرات الأمريكية، وعلى الواردات الإيرانية.[11] وشهدت إيران تجميداً على برنامجها النووي، وفرض عليها حظراً شاملاً. [12]

ولم يختلف الوضع في فترة التسعينيات من القرن الماضي، وإنما زاد الخلاف والتوتر بين البلدين، مع إصدار الإدارة الأمريكية العديد من الأوامر والعقوبات على إيران. وتحديداً فيما يتعلق في المجال الاقتصادي. وبررت الولايات المتحدة الأمريكية بأن إيران تشكل تهديداً لأمنها القومي. [13]

بقي التوتر قائماً ما بين الطرفين مع العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ودخلت هذه المرحلة الى حد التصعيد والمواجهة. وتحديداً تأزم التوتر بسبب البرنامج النووي الإيراني، عندما تم تحويله الى مجلس الأمن في عام 2006، واعتباره أنه يمثل خطراً وتهديداً للأمن والسلم الدولي.[14] واستمر فرض العقوبات الأمريكية على إيران، والتي اتخذت شكل مجموعات صادرة من مجلس الأمن ضد إيران والتي امتدت في الفترة ما بين 2007 حتى 2010. [15]

يتضح مما سبق، أن شكل العلاقات الأمريكية الإيرانية اتخذت منحى التوتر والخلاف، لينتهي بها المطاف الى فرض عقوبات استمرت منذ الثورة الإسلامية حتى 2010. والذي كان عاماً ثانياً مفصلياً أيضاً في تاريخ العلاقات الأمريكية الإيرانية بسبب ما أقدم عليه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في إيجاد حلاً لهذا التوتر الذي أثر على شكل العلاقات على المستوى الدولي. ورغبة منه من أجل التخفيف من الخلافات مع الدول المعادية مع الولايات المتحدة.

التوتر الأمريكي الإيراني: المسار المقبل والتداعيات الاستراتيجية:

بدأ حل التوتر الأمريكي الإيراني ضمن ما جاء به الاتفاق النووي الذي يعرف باسم اتفاق 5+1 لحسم حالة الخلاف بين الطرفين. من خلال اعتراف القوى الكبرى رسيماً بالبرنامج النووي الإيراني كبرنامجٍ سلمي، واحترام حقوق إيران النووية، وإلغاء العقوبات التي فرضت على إيران.[16]

وبالتالي يتضح هنا أن الإدارة الأمريكية كانت تسعى الى حل الخلاف وضمان إبقاء تسلح إيران في الجانب السلمي. ولكن رغم لم يستمر الوضع على ما هو عليه، بسبب مجيء الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب التي أعادت التوتر مرة أخرى للساحة الدولية.

عاد التوتر للساحة الدولية، مع إعلان ترامب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني. والذي جاء ضمن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي والتي ركزت على منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومنع امتلاك السلاح النووي وخاصة إيران.[17]

وأكد ترامب أنه لا يثق بالنوايا الإيرانية الاستراتيجية خاصة فيما يتعلق بتطوير برنامجها النووي، ونظر لهذا الاتفاق لأنه غير مجدي، ويعتبر كارثة. وعبر عن ذلك قائلاً ” اتطلع الى التراجع عن هذه الصفقة الكارثية مع أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم.”[18]

ويتضح إذن، أن سياسة ترامب تجاه إيران، لم تتغير مع تغير الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إذ منذ التاريخ كما وضحنا مسبقاً وتحديداً ما بعد الثورة الإسلامية. كان ينظر لإيران على أنها دولة من دول محور الشر.[19] وهذا المصطلح الذي استخدمه جورج بوش الابن، والذي من وجهة نظر الإدارة الأمريكية بأنه يجب محاربته كونه يهدد الأمن والسلم الدوليين.

ومع ما تشهده الساحة الدولية من تطورات، وتحديداً مع الانتخابات الأمريكية والتي كانت نتيجتها وصول جو بايدن للحكم، بدأت بوادر جديدة لحل التوتر الذي خلقته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. إذ أعلن بايدن الرئيس الأمريكي الحالي للولايات المتحدة الأمريكية بأن هناك رغبة في حل الخلافات وعودة المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني والذي يعتبر من أكثر الملفات خلافية ما بين البلدين. وأكد بايدن أن الولايات المتحدة والدول المتحالفة، ستتصدى لأنشطة إيران المزعزعة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط.[20] ومن الواضح أن بايدن لم يكشف عن استراتيجيته، ولكن كان واضحاً أنه اتبع استراتيجية “الأقل مقابل الأقل،” ولكن كان أول ملف يطرحه هو استئناف إيران التزامها الكامل بالاتفاق النووي.[21] مؤكداً على رغبته بالعودة الى طاولة المفاوضات بهدوء في الشأن النووي الإيراني، لأن الانسحاب من الاتفاق كما يرى شكل كارثة على المستوى الدولي.[22]

وأخذت سياسته تجاه إيران على أرض الواقع خطوتين رئيسيتين، تمثلتا في تخفيف القيود المفروضة على تنقلات الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك. وإبطال إجراء اتخذه ترامب حول قرارات مجلس الأمن بخصوص العقوبات على إيران بأنها لا تزال مرفوعة.[23] ومن هنا يتضح أن هناك تغيراً في الاستراتيجية الأمريكية في عهد بايدن تجاه إيران وهذا بدوره يطرح عدداً من السيناريوهات بشأن شكل العلاقات الأمريكية الإيرانية في عهد بايدن.

السيناريوهات المحتملة

وفقاً لما تقدم، هناك العديد من السيناريوهات التي تطرحها الورقة في شكل العلاقات الإيرانية الأمريكية في ظل استراتيجية بايدن الجديدة:

أولاً: حل الخلاف القائم. من المتوقع وفقاً لاستراتيجية بايدن الجديدة في تعامله مع الملف النووي الإيراني أن يتم حل الخلاف الذي نشأ في حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وذلك تحقيقاً للمصالح ما بين الطرفين. من خلال طرح بوادر تعاونية مشروطة، بعودة البلدين الى طاولة المفاوضات. من خلال فرض ضغوط أمنية واستراتيجية أكثر شمولاً على إيران. ومن المتوقع أن هذا الاحتمال أكثر الاحتمالات قرباً في التحقق على أرض الواقع، كرغبة من الطرفين لإنهاء الخلاف الذي حمل تداعيات على الطرفين.

ثانياً: إبقاء الوضع الراهن، من المتوقع في حال رفض إيران استراتيجية بايدن في عودة البلدين الى طاولة المفاوضات. وإبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه. من خلال إبقاء العقوبات مفروضة على إيران، والمقاطعة الدبلوماسية. وهذا من شأنه أن يزيد من حالة التوتر بين البلدين، ولكن من غير المحتمل حدوث مثل هذا الاحتمال. بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها إيران، وإذا ما استمرت العقوبات موجودة فهذا من شأنه أن يزيد من تدهور الأوضاع الداخلية لإيران، وهذا ما لا ترغب به.

ثالثاً: زيادة التوتر بين البلدين، من المحتمل أن يزاد التوتر ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، في حال رفض إيران العودة الى طاولة المفاوضات. وتحديداً أن العودة الى طاولة المفاوضات هي عودة مشروطة بشروط أمريكية، وقد لا تتوافق مع السياسة الإيرانية. وبالتالي من غير المتوقع أن تكون هناك نهاية سريعة لأزمة العلاقات بين البلدين. وأقصى ما يمكن أن يحدث هو التخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية في العديد من المجالات المختلفة.

 

الخاتمة

بناءً على ما تقدم، نرى أنه من المستبعد أن تتوتر العلاقات الأمريكية الإيرانية في ظل حكومة بايدن، بسبب تبادل المصالح ما بين البلدين. فإيران بحاجة الى رفع العقوبات الأمريكية بسبب أوضاعها الاقتصادية السيئة التي عانت عليها مع رئاسة ترامب، والظروف الاقتصادية المتدهورة مع انتشار جائحة كورونا. ومن جهة أخرى، نرى أن إدارة بايدن الجديدة لن تكسب الكثير إذا ما فرضت عقوبات وحصرت إيران. وسيزداد التوتر على الساحة الدولية، وبالتالي نجد أن السيناريو الأقرب هو حل الخلاف القائم خدمة لمصالح الطرفين.

[1]  ضيف الله الضيعان، “العلاقات الأمريكية الإيرانية: الوجه الآخر،” ورقة بحثية صادرة عن جامعة المليك سعود، 229.

[2]  سليم كاطع علي، “البعد الإيراني في السياسة الخارجية الامريكية،” مجلة دراسات دولية، العدد 60 (2015)، 159.

[3]  آمنة إبراهيم القرم، السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران وأزمة الملف النووي الإيراني 2001-2006، رسالة ماجسيتر، جامعة القدس، 2007، 17.

[4] فتيحة ليتيم، “الاتفاق النووي الايراني: أبعاد وتداعيات،” مجلة شؤون الاوسط، العدد 152 (شتاء 2016)، 98.

[5]  ربا عبادة مسودة، “العقوبات الأمريكية على إيران: وجه إمبريالي جديد للتحكم بالاقتصاد العالمي،” مجلة المستقبل العربي، العدد 494 (إبريل 2020)، 65.

[6]  “هل ينجح بايدن في إعادة إيران الى طاولة المفاوضات،” موقعDW الإخباري، فبراير 2021.

تاريخ الزيارة: 7\4\2021: https://bit.ly/2RemiT5

[7]  آمنة إبراهيم القرم، السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران، 44.

[8]  اسراء عباس علي، ” الملف النووي الايراني”، مجلة أمة الاسلام العلمية، عدد 7 (2010): 248.

[9]  محمد نور الدين عبد المنعم، ” النشاط النووي الإيراني النشأة والتطور”، مركز الدراسات الشرقية: جامعة القاهرة، عدد7 (2005): 3.

[10]  ربا عبادة مسودة، العقوبات الأمريكية على إيران، 61-62.

[11]  فهد الخراز، “الابعاد الاستراتيجية للعقوبات الدولية المفروضة على إيران وتداعياتها المحتملة،” مجلة آداب البصرة، العدد 66 (2013)، 260.

[12]  أحمد محمود ابراهيم، “البرنامج النووي الايراني: التطور والدوافع والدلالات الاستراتيجية،” مجلة السياسات الدولية، العدد 142 (1998)، 312.

[13]  فهد الخراز، “الأبعاد الاستراتيجية للعقوبات الدولية المفروضة على إيران،” 260.

[14]  ربا عبادة مسودة، العقوبات الأمريكية على إيران، 62.

[15]  محمد عبد الرحمن يونس العبيدي، “دراسة في العقوبات الدولية على إيران،” مجلة دراسات اقليمية، العدد 25 (2012)، 25-58.

[16]  ربا مسودة، العقوبات الأمريكية على إيران، 64-65.

[17]  شيماء معروف فرحان، “السياسة الأمريكية تجاه إيران في عهد ترامب،” مجلة مدارات إيرانية، العدد 3 (آذار 2019)، 124.

[18] حسين الكرعاوي وهيثم صوان، “الإدارة الامريكية الجديدة ومستقبل الاتفاق النووي الايراني بين مشهدي الإلغاء وتشديد العقوبات الاقتصادية،” مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 60 (2018)، 5-7.

[19]  بن يحيى عتيقة، “السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران في ظل إدارة دونالد ترامب،” مجلة البحوث في الحقوق والعلوم السياسية، العدد 1 (2018)، 250.

[20]  “بايدن: مستعدون للتفاوض مع إيران حول الاتفاق النووي وعلينا التصدي لأنشطتها المزعزعة للاستقرار،” موقع RT بالعربي، فبراير 2021.

تاريخ الزيارة 7\4\2021: https://bit.ly/3dH6LCJ

[21]  “هل ينجح بايدن في إعادة إيران الى طاولة المفاوضات،” موقع DW، فبراير 2021.

تاريخ الزبارة 7\4\2021: https://bit.ly/3uuhuar

[22]  “بلومبرغ: سياسة بايدن تجاه إيران تختلف عن سياسة ترامب وربما عن أوباما أيضا،” موقع القدس العربي، آذار 2021.

تاريخ الزيارة: 7\4\2021: https://bit.ly/3tbnCEt

[23]  كريم مجدي، “كيف يرى الخبراء سياسة بايدن الناعمة تجاه إيران،” الحرة، فبراير 2021.

تاريخ الزيارة 7\4\2021: https://arbne.ws/3cYD9BH