تحليل سياسات

الانتخابات العامة الفلسطينية: خلفياتها وتحدياتها

الانتخابات العامة الفلسطينية: خلفياتها وتحدياتها

بدر أبو نجم

مقدمة

أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في الخامس عشر من  كانون الثاني/ يناير 2021، مرسوما رئاسيا بشأن إجراء الانتخابات العامة على ثلاث مراحل. وبموجب المرسوم ستجرى الانتخابات التشريعية بتاريخ 22/5/2021، ومن ثم الانتخابات الرئاسية، والمجلس الوطني.

 

خلفية تاريخية

جاءت الانتخابات الفلسطينية بعد انقطاع دام خمسة عشر عاماً، في ظل الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس. بالتالي أصبحت الحاجة ملحة لإجراء الانتخابات لإنهاء الانقسام من جهة، وترتيب البيت الفلسطيني من جهة أخرى. ناهيك عن التغيرات الاقليمية التي حصلت. منها وصول الرئيس جو بايدن إلى سدة الحكم وانتهاء فترة حكم ترامب التي تعتبر من أسوء الفترات التي مرت على القضية الفلسطينية، حيث اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعطى الضوء الاخضر لبناء المستوطنات، وشرعتنها، ليأتي جو بايدن ويبدي بعض الايجابيات لاستمرار العملية التفاوضية، وعودة بعض الأمور إلى مجراها قبل عهد ترامب.

قبل اصدار المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات الفلسطينية، أعقب تلك الفترة الكثير من محاولات انهاء الانقسام واجراء الانتخابات، بين الفصيلين الكبيرين والفصائل الفلسطينية الأخرى، والمبادرات التي شهدتها الساحة الفلسطينية من قبل الشخصيات الفلسطينية المستقلة، وبعض دول الجوار لإنهاء الانقسام الفلسطيني، والعودة إلى صناديق الاقتراع، لترتيب البيت الفلسطيني.

فشلت الكثير من المبادرات لإنهاء الانقسام الفلسطيني، فلم تُكتب لعشرات المبادرات الفلسطينية المتوالية إحراز أي تقدم لإنهاء الانقسام.

و”شهدت الساحة الفلسطينية على مدى أعوام الانقسام القاتمة، منذ العام 2007، تحركات دؤوبة من جانب القوى والفصائل الوطنية لإنجاز المصالحة بين حركتي “فتح” و”حماس” في إطار مبادرات وطنية شاملة تكاملت مع حرص الطرفين على الوحدة، ولكنها أخفقت في ترجمة ذلك على أرض الواقع. وبينما يترقب الشعب الفلسطيني نتائج كل حوار ثنائي جديد للمصالحة، مصحوبا بآمال عريضة باقتراب لحظة توقيع الاتفاق المنتظر بين “فتح” وحماس”، ولكنه سرعان ما يُصاب بخيبة الأمل عند الخروج من مشهد المصافحة المتكررة إلى فراغ كبير لا يسده كثرة الوعود المتكررة من الطرفين”.[1]

بعد الاجراءات أحادية الجانب من قبل ترامب ونتنياهو، دعت الفصائل الفلسطينية إلى اجتماع في رام الله يضم كافة الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية. وترأس الرئيس محمود عباس في الثالث من سبتمبر من العام 2020، اجتماعاً للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بمقر الرئاسة عبر تقنية “الفيديو كونفرنس”، ما بين رام الله والعاصمة اللبنانية بيروت، حيث يشارك من مقر السفارة الفلسطينية في بيروت أمناء عامون لفصائل غير أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية مثل “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وعدد آخر من الأمناء العامين لفصائل فلسطينية أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية.

خرج الاجتماع بمجموعة من المخرجات كان أهمها التوافق على ضرورة التأسيس لنظام سياسي ديمقراطي واحد، وسلطة وقانون واحد، على قاعدة التعددية السياسية والفكرية، والتداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل.

وشدد البيان الختامي على أن تحقيق الأهداف الإستراتيجية لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، يستوجب إنهاء الانقسام، وإنجاز المصالحة، وتجسيد مبدأ الشراكة الوطنية الفلسطينية.

وتقرر تشكيل لجنة تضم شخصيات وطنية وازنة تقدم رؤية إستراتيجية لإنهاء الانقسام، والشراكة في ظل منظمة التحرير الفلسطينية، على اعتبار أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، خلال مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع، على أن تقدم توصياتها للجلسة القادمة للمجلس المركزي الفلسطيني.

اعقب هذه الاجتماع للأمناء العامين عدة لقاءات في القاهرة والعاصمة التركية اسطنبول، بين الفصائل الفلسطينية للإتفاق على إجراء الانتخابات، كمدخل لإنهاء الانقسام، وتطبيق ما جاء به إجتماع رام الله بيروت. ومن ثم المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.

أهم تحديات انتخابات 2021:

“يتمثل التحدي الأول في إجراء الانتخابات في مدينة القدس الشرقية لضمان مشاركة المواطنين الفلسطينيين “المقدسيين” في المدينة بفتح مراكز الاقتراع فيها. يبدو من غير المحتمل الحصول على هذه الموافقة أو تقديم الطلب بذلك قبل معرفة مصير الانتخابات الإسرائيلية في آذار/ مارس القادم وانتهاء مشاورات تشكيل الحكومة الإسرائيلية من قبل الأحزاب الاسرائيلية ان نجحت بذلك؛ خاصة أن نتائج انتخابات الكنيست التي جرت في السنتين الأخيرتين اشارت إلى صعوبة تشكيل الحكومات الإسرائيلية”.[2]

أما التحدي الثاني؛ “فيتمثل بتولي جهازي الشرطة في الضفة الغربية وقطاع غزة بحماية العملية الانتخابية. تنص المادة 88 من القرار بقانون رقم 1 لسنة 2007 بشأن الانتخابات على ما يلي: تقوم الشرطة بالمحافظة على أمن العملية الانتخابية وأمن المواطنين”. يطرح هذا النص مسألة مشروعية قيام شرطة حماس بحماية العملية الانتخابية في قطاع غزة. كأمر واقع ستجد لجنة الانتخابات المركزية ضرورة للاعتماد على جهازي الشرطة لحماية مراكز الاقتراع الامر الذي يتطلب تجاوز إمكانية الطعن بعدم مشروعية عمل الشرطة في قطاع غزة. بالإضافة إلى ذلك يطرح الانقسام مسألة حيادية جهازي الشرطة في الضفة والقطاع مما يتطلب توفير آليات لضمان حيادية الشرطة في المنطقتين”.[3]

التحدي الثالث، إن إمكانية تنظيم انتخابات للمجلس الوطني تبدو متدنية جدًّا؛ لأن ذلك يتطلب تعاون حكومات الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين، في المخيمات المنتشرة في بعض الدول العربية، والتي لا تسمح ظروف بعضها بإجراء مثل هذه الانتخابات، فضلًا عن أنه يمكن افتراض أن نسبة كبيرة من الفلسطينيين. ففي حال لم يتم تأجيل الانتخابات لأسباب عديدة، مثل عدم السماح للمقدسيين في الاقتراح واقامة مراكز الاقتراع في المدينة المقدسة، من قبل الاحتلال، فمن المرجح أن يُشكل المجلس الوطني بناء على المحاصصة، والذي خاضت فيه الفصائل الفلسطينية في القاهرة جولتين من الحوار ليتم الانتهاء من طبيعة تشكيل المجلس الوطني، إلا أن كل الجهود فشلت في الاتفاق على كيفية تشكيله.

التحدي الرابع، إن تشكيل ثلاثة قوائم لحركة فتح والتي تشكل الفصيل الأكبر من بين الفصائل الفلسطينية، مع حركة حماس، قد يفاجأ الجميع من نتائجها، في المقابل فإن حركة حماس تخوض هذه الانتخابات بقائمة واحدة موحدة، ما جعل الكثير من المراقبين والمحللين يتوقعوا فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي. ناهيك عن فشل الأحزاب اليسارية من تشكيل قائمة موحدة قد تشكل قوة في البرلمان الفلسطيني، ما يجعل توقع نتائج الانتخابات بالنسبة لحركة فتح غير واضح. بالتالي، فإن فوز حماس بالتأكيد سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه بعد انتخابات 2006. ومن المرجح “أن تلجأ إسرائيل إلى اعتقال نواب ووزراء حماس، كما فعلت في أعقاب انتخابات العام 2006. في حين سيُخضع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الذي يعدان “حماس” تنظيمًا إرهابيًّا، مسألة الاعتراف بالحكومة الجديدة لشروط اللجنة الرباعية المتمثلة في: الالتزام باتفاقيات أوسلو، والاعتراف بإسرائيل، ونبذ العمل المسلح ضد إسرائيل بوصفه “إرهابًا”. ولا يتوقع أن تعترف الدول العربية التي تتخذ موقفًا معاديًا من “الإسلام السياسي” بالحكومة الفلسطينية الجديدة. وسيفضي هذا الواقع إلى تكريس الحصار مع كل ما يترتب عليه من تواصل تدهور الأوضاع الاقتصادية؛ مما يزيد من فرص حدوث مواجهة عسكرية بين الفصائل في غزة وإسرائيل، لاسيما مع تراجع فرص التوصل لتهدئة طويلة الأمد توافق إسرائيل بموجبها على إحداث تحول كبير في الأوضاع الاقتصادية في القطاع”.[4]

التحدي الخامس، إن إجراء الانتخابات في بيئة سياسية منقسمة على ذاتها قبل معالجة قضايا الخلاف الجوهرية التي كرست الانقسام يمثل مخاطرة كبيرة ويمكن أن يسهم في تكريس حالة التشظي التي تعيشها الحلبة السياسية الفلسطينية. وإن كانت الفصائل الفلسطينية قد أجمعت في كل جولات الحوار السابقة على أهمية التوافق على برنامج وطني شامل وإصلاح مؤسسات منظمة التحرير، فإن اعتماد الانتخابات مدخلًا لحل هذه القضايا قد لا يسمح بوضع “الرؤية المشتركة” التي توصلت إليها حماس وفتح في حوار إسطنبول ومخرجات مؤتمر الأمناء العامين في بيروت ورام الله، موضع التنفيذ، بحيث تنضم إلى ما سبقها من اتفاقات وتفاهمات، التي انتهت إليها الحوارات السابقة التي امتدت لأكثر من 15 عامًا(31).[5]

خاتمة

هناك تخوف لدى الشارع الفلسطيني من أن الانتخابات وإن حصلت، فإنها قد لا تُنهي الانقسام الفلسطيني؛ ناهيك عن تخوف الشارع من تأجيلها أو إلغائها، بسبب عدم سماح سلطات الاحتلال بإجرائها في مدينة القدس، إضافة إلى تكهنات برزت بأن القوائم الثلاث التي انبثقت عن حركة فتح قد يكون لها دور في تأجيل الانتخابات، لأن الذي حدث لم يكن متوقعاً لدى حركة فتح قبل الإعلان عن الانتخابات الفلسطينية، سواء التشريعية أو الرئاسية. ومن هذا المنطلق، قال محللون إن الانتخابات قد تؤجل أو تلغى بالكامل، لكن قد يكون هذا الاحتمال ضعيفاً، لأن الانتخابات أصبحت مطلباً شعبياً، وبدأت القوائم التي تعدت الثلاثين قائمة إطلاق التجهيزات للبدء بحملاتها الانتخابية، ولذلك، فإن قرار تأجيل أو إلغاء الانتخابات سيكون قراراً ليس من السهل اتخاذه حتى وإن كانت الحجة عدم سماح الاحتلال بإجرائها في القدس، لأن هناك حلولاً ما زالت تقدم من قبل الكثير من الجهات المعنية بتفادي قرار الاحتلال إن حدث فعلاً، كفتح مراكز اقتراع في المساجد والكنائس، أو حتى اللجوء إلى التصويت إلكترونياً.

[1] نادية سعد الدين، “فشل مبادرات إنهاء الانقسام الفلسطيني .. غياب الإرادة السياسية أم تحديات محبطة؟، صحيفة الغد، أكتوبر 24, 2020، شوهد بتاريخ 1/4/2021، https://2u.pw/BwMFQ.

 

[2]  جهاد حرب، “التحديات التي تواجه إجراء الانتخابات العامة القادمة”، أمد للإعلام، 2/2/2020، شوهد بتاريخ 2/4/2021، https://2u.pw/i0cz2.

 

[3]  جهاد حرب، “التحديات التي تواجه إجراء الانتخابات العامة القادمة”، أمد للإعلام، 2/2/2020، شوهد بتاريخ 2/4/2021، https://2u.pw/i0cz2.

 

[4]صالح النعامي، ” الانتخابات الفلسطينية 2021: السياق والتوقعات”، مركز الجزيرة للدراسات، 29 يناير 2021، شوهد بتاريخ 4/4/2021، https://2u.pw/AKYFI.

 

[5] صالح النعامي، ” الانتخابات الفلسطينية 2021: السياق والتوقعات”، مركز الجزيرة للدراسات، 29 يناير 2021، شوهد بتاريخ 4/4/2021، https://2u.pw/AKYFI.