الأزمة القائمة في لبنان: الخلفيات والمحددات
بيان لحلوح
مقدمة
بعد مرور ما يزيد عن سبعة شهور على الأزمة الاقتصادية والسياسية القائمة في لبنان، اجتمع رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري مع الرئيس اللبناني، ميشيل عون في آذار/ مارس 2021، في لقاءٍ لم يتجاوز النصف ساعة، وصدر عنه قرارات من المحتمل أن تزيد من حدة الانقسام الموجود في لبنان. ويأتي هذا اللقاء في سياق الأزمة اللبنانية، التي بدأ يشدد خناقها على الشعب اللبناني، بعد إعلان بيانات جمعية المصارف اللبنانية، أن الدين الخارجي للبلاد بلغت أكثر من 91 مليار دولار أميركي، وأن السندات الحكومية هي عصب هذا الدين تشكل 91 من إجمال مجموع الديون. فضلًا عن ذلك، لا تزال الليرة اللبنانية تسجل معدلات منخفضة مقابل الدولار، وارتفعت كذلك نسب البطالة والفقر[1].
خلفيات الوضع الراهن في لبنان
بدأت ملامح الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تظهر في لبنان في بداية شهر أغسطس/ أب 2019، وقد استمرت الأزمة بالتصاعد مع مرور الوقت حتى عام 2020، ومع ازدياد انخفاض الليرة، واستمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وتقلص القدرة الشرائية لشعب اللبناني بنسبة 80%، أدى ذلك إلى أزياد الشعب اللبناني فقرا. وقد ارتبطت هذه الأزمة بمزيد من القيود على وصول اللبنانيين إلى ذخائرهم بالدولار.
وعلى الرغم من اعتماد مصرف لبنان سياسة دعم الاحتياجات الأساسية، لمنع انهيار البلد وتوفير الاحتياجات الأساسية في البلد، إلا أن هذه الأجراءت لم تنجح، فانخفاض نسبة الاحتياطي وصلت لمشارف عتبة الاحتياط الإلزامي 17.5 مليار دولار، وهو ما سيشكل عائق أمام قدرة الدولة على توفير الدعم للقطاعات المختلفة، الأمر الذي سيؤدي إلى نقص في المواد الأساسية، مثل: المستلزمات الطبية، والغذائية، والمحروقات.
وقد أدى تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في لبنان إلى زيادة الأزمات في البلد المنكوب سياسيا واقتصادية أصلا. هذا ما زاد وضع اللبنانيين أسوء مما كان عليه وأسوء مما كان من المفترض أن يكون عليه مع الأزمة. وتبع كل هذه الأزمات حدوث انفجار هائل في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/أب 2020 أدى لحدوث دمار شامل بالمنطقة، فزاد من وضعها الاقتصادي سوءا بجانب الوضع السياسي، وجاءت بعده المبادرة الفرنسية لحل الأزمة الاقتصادية في لبنان، وعرقلة المبادرة بسبب الخلافات السياسية اللبنانية للتتماهى مع الأزمة المعقدة، وأظهرت مدى حالة التفكك السياسي التي يعيشها اللبنانيين.[2]
مواقف السياسيين اللبنانيين من الأزمة:
- موقف رئيس الجمهورية: قام الرئيس اللبناني ميشال عون بتكليف الحريري بتشكيل حكومة بعد استقالة مصطفى أديب من منصبه، بعد انفجار مرفأ بيروت واعتذاره عن عدم قدرته على تأليف حكومة جديدة. وقد اتهم ميشال عون رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بمحاولاته فرض أعراف جديدة خارجة عن الدستور والميثاق، وقيامه بتفرد بتسمية الوزراء، وخصوصا المسيحيين دون الاتفاق مع الرئاسة، وما يدلل على هذا إصراره على تشكل الحكومة وفقا للمبادرة الفرنسية التي تزيد من الانقسام الداخلي، الأمر الذي أدى إلى أن يطلب عون من الحريري أما أن يجد حلا للأزمة بأقرب وقت أو يتنحى جانبا عن منصبه.
- موقف سعد الحريري: بعد تولي سعد الحريري مهمة تشكيل الحكومة، بدأ بتقديم اقتراحات لتشكيل الحكومة، قوبلت بالرفض من قبل جميع الأطراف، كان أخرها مبادرة تشكيل حكومة وفقًا للمبادرة فرنسية. وبناءً على اتهامه بانه يعمل لمصالح دول أجنبية، نفى الحرير ذلك، ورغم رفض كل الأطراف للاقتراحات التي قدمها الحريري إلا أنه مصمم على تنفيذها بقوله أن لا سبيل لبناء الحكومة إلا بهذه المقترحات.
- موقف حسن نصر الله: دعا الأمين العام لحزب الله إلى تشكيل حكومة تكنو-سياسية، ودعا الحريري إلى إعادة النظر في تمسكه بتشكيل حكومة مكونة من 18 وزيرًا، مما قد يشكل مدخلًا لمعالجات ممكنة أو معقولة تخرجنا من الطريق المسدود الذي وصل له تشكيل الحكومة،” كي لا يشعر أحد أنه مستهدف”. وأكد أنه من غير المنصف تحميل رئيس الجمهورية ميشال عون كامل المسؤولية عن عدم القدرة بتحمل المسؤولية. وفي كلمته في تأبين “القادة الشهداء” في 16 فبراير 2021 رد حسن نصر الله على مبادرة البطريرك الماروني، دون أن يسميه بشأن “طرح قضية لبنان في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة”، محذرًا بأن أي كلام عن قرار دولي تحت الفصل السابع يعد إعلانًا للحرب، وغطاء لاحتلال جديد، ويتنافى مع السيادة[3].
السيناريوهات المحتملة:
هناك عدد من السيناريوهات للأزمة القائمة في لبنان وخصوصا بعد إنفجار مرفأ بيروت الذي زاد من الوضع سوءًا بجانب فيروس كرونا الذي أهلك العالم ويمكن تلخيصها فيما يلي:
- سيناريو الدولة الفاشلة: احتمال الأنهيار التام للبنان، وترجيح أنه من الممكن أن تصبح لبنان فنزويلا الثانية أي الأنهيار التام، فالأزمة الأقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان بجانب الفساد المتفشي. وقد جاءت جائحة كرونا لتزيد من الوضع السيئ سوءًا، وتبعه إنفجار مرفأ بيروت الأمر الذي زاد من يأس اللبنانين وسخطهم على الحكومة.[4]
- بقاء الحال على حاله: أن استمرار الأزمة يعني إستمرار غضب الشعب الللبناني، وعلى الحكومة إيجاد حلول إما إجراء تعديل وزاري بأسرع وقت، أو إستقالة الحكومة وإنشاء حكومة تكنوقراط[5].
- سيناريو تفاقم الأزمة على الشعب اللبناني: أصدرت عدد من التقارير أن الازمة الاقتصادية من المتوقع أن تتفاقم في حال عدم إيجاد حلول، واستمرار هبوط الليرة اللبنانية لأكثر من 80% من قيمتها سيزيد الوضع سوءًا، وبحسب تقارير الأمم المتحدة أن أكثر من نصف البلاد يسعون لتوفير مستلزمات الحياة الضرورية كالغذاء والمواد التموينية، بجانب أزمة كرونا ومرفأ بيروت التي ساعدت بأزدياد البطالة والفقر.[6]
خاتمة
نظرًا لما سبق وذكر بخصوص الأزمة في لبنان ومواقف السياسين، يصعب على الباحثين أو السياسين إيجاد سيناريو حقيقي لما سيجري لأنة المعطيات تطبق على الأرض، ووجود طبقة سياسية فاسدا يزيد من تأزم الوضع؛ فهذه الطبقة التي ترعى مصالحها الشخصية ومصالح الدولة اللبنانية لا تكاد تدرك أمام أطماع هذه الطبقة هو ما سيزيد من حدة الأزمة، ووجود حزب الله كقوة فاعلة ولها دورها بدولة هو ما يمنع الدعم الخارجي، بجانب الفساد المتفشي في الطبقة الحاكمة في لبنان. ولذلك، على الطبقة السياسية اللبنانية بدء حوار لبناني شامل يسعى من خلاله جميع الأطراف إلى إيجاد حلول للأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ أعوام.
[1] عمر، أيمن.” لبنان وتحديات الأزمة المالية2021 “. مركز الجزيرة لداسات 7 ديسمبر 2021، شوهد: 27ابريل 2021.
https://studies.aljazeera.net/ar/article/4865
[2] عمر، أيمن.” لبنان وتحديات الأزمة المالية2021 “. مركز الجزيرة لداسات 7 ديسمبر 2021، شوهد: 27ابريل 2021.
https://studies.aljazeera.net/ar/article/4865
[3] الجمال، ريتا. “نصر الله يرفض تدويل الأزمة اللبنانية واتهام حزب الله بتورط باغتيال لقمان سليم”. العربي الجديد،16 فبراير
الحرة. “سيناريو الدولة “الفاشلة” ونموذج “فنزويلا”.. ما مستقبل لبنان بعد انفجار بيروت؟“. الحرة، 6/أغسطس/ 2020، شوهد 11/ أبريل/ 2021.
[5] الخليج أونلاين.” 3 سيناريوهات تلوح في الأفق لحل الأزمة في لبنان”. الخليج أونلاين، 23-10-2019، شوهد:19/3/2021.
[6] الحرة،”تلغراف ترسم سيناريوهات سوداوية عن وضع لبنان: الشعب سيموت من الجوع قريبا”.الحرة، 01 يوليو 2020،شوهد: 6/4/2021.