تتناول هذه الدراسة قضية مهمة لسوريا والوطن العربي، في إطار بحث علمي بعنوان “الأزمة السورية وتداعياتها على الأمن القومي العربي”، وقد مضت أكثر من تسع سنوات على اندلاع الأزمة السورية التي جاءت في أعقاب الربيع العربي، والتي امتدت تأثيراتها إلى ما لم يتم توقعه، حيث كان للتدخلات الخارجية كإيران والولايات المتحدة الأميركية وتركيا وروسيا وغيرها من الدول، دور مهم في تصاعد وتيرة الأزمة وطول أمدها، كما كانت العوامل الداخلية مثل ضعف النخبة السياسية وتردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد واستخدام أساليب العنف المتبعة من قبل السلطة السياسية والمعارضة تجاه الشعب وغيرها؛ من الأمور التي تسببت في نشوء الثورة وتطورها من سيئ إلى أسوأ، وكان من أهم نتائجها هجرة الملايين من الشعب السوري إلى أنحاء مختلفة من العالم. إن الأزمة السورية لم تنحصر آثارها السلبية على مستوى داخلي، بل تسببت بعدم استقرار للمنطقة العربية وصراع عالمي بين دول كبرى. كما لم تكن الحالة السورية مشابهة لثورات الربيع العربي الأخرى، ربما كانت الأصعب بينها، وذات أثر كبير خاصة على العالم العربي، وهذا ما سيتم تناوله في هذه الدراسة.
تكمن أهمية هذه الدراسة في أن الأزمة السورية من الأزمات الحديثة على الساحة الدولية التي لها آثار عديدة على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، وازدادت أهمية البحث في هذه الدراسة نتيجة استمرار الأزمة السورية حتى يومنا هذا، ويعود ذلك إلى أسباب داخلية وخارجية. كما جعلها الموقع الجغرافي التي تتمتع به بالنسبة للوطن العربي والعالم، وباعتبار أنها تمتلك دوراً مهمّاً في إنتاج ونشر الفكر القومي، محط أنظار العالم أجمع، وبالتالي ازدياد أهمية البحث ودراسة هذا الموضوع بشكل أوسع. وتحاول هذه الدراسة الوقوف على عدة أهداف تقوم من أجلها، لعل أهمها توضيح أثر الأزمة السورية على الوطن العربي بشكل خاص، وأثرها على إحداث تغيرات كبيرة على الساحة الدولية وعلى موازين القوى نتيجة التدخل الخارجي في الأزمة، وبالتالي العمل على إثراء الموضوع بمزيد من الأبحاث والدراسات.
تعالج الدراسة الإشكالية الأساسية المتمثلة في التعرف على تداعيات الأزمة السورية على الأمن القومي العربي، كدراسة سياسية حديثة، إذ انتقلت الدراسة من فرضية أساسها:
أن الموقع الجغرافي لسوريا في قلب المشرق العربي واعتبارها حلقة اتصال بين القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وأفريقيا، وامتلاكها ثروات طبيعية وبشرية وتاريخية، جعلها محط أنظار للدول الإقليمية والعالمية، وباعتبار أن سوريا لها دور مهم في إنتاج ونشر الفكر القومي العربي، فقد كان لاندلاع الثورة السورية وتصاعد وتيرتها إلى أزمة كبرى والتدخلات الخارجية فيها، أثر كبير على الأمن السوري، وأمن الدول العربية، وبالتالي على الأمن القومي العربي.
اقتضت إشكالية الدراسة استخدام العديد من المناهج بغرض دراسة موضوع الأزمة السورية، وعليه، تم استخدام المنهج الوصفي في هذه الدراسة، حيث يصف الحالة السورية وتداعياتها وآثارها على الساحتين الإقليمية والدولية، كما يتبع أيضاً المنهج التاريخي الذي تتناول فيه الباحثة جزئية وأحداثاً تاريخية تم تحليلها ودراستها للوصول إلى الأسباب التي أدت إلى اندلاع المشاكل والثورات العربية.
تناولت الدراسة محورين أساسيين: يتمثل المحور الأول بتاريخ الأزمة السورية والأحداث التي آلت إليها الأمور، لتتطور إلى أزمة إقليمية وعالمية. أما المحور الثاني، فقد تناول تداعيات الأزمة السورية على الأمن القومي العربي والمخاطر الأخرى المتعددة التي كانت تحيط به.
خلصت الدراسة إلى أن سوريا التي شكلت أساساً للهوية العربية وقاعدة للأمن القومي العربي، تحولت في ظل اندلاع الأزمة إلى أكثر الأزمات التي أحدثت منعطفاً تاريخياً كبيراً في الوطن العربي والعالم، وتسببت بحدوث انشقاق وتشرذم بين أفراد الشعب السوري والعربي، وأيضاً تسببت بتقسيم الشعوب تقسيمات فوضوية أدت إلى إحداث نعرات طائفية، بل وأيضاً هجرة الملايين من الشعب السوري إلى دول عربية مجاورة وأخرى عالمية، ولم تؤثر الأزمة السورية على المستوى الاجتماعي فقط، بل أثرت بشكل كبير على الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني للدول العربية، وشكلت تهديداً مباشراً لها.