الملخص
تبحث هذه الورقة في طبيعة دبلوماسية الفاتيكان والإشكالية المتمثلة في التمييز بين سمات وسيادة دولة الفاتيكان والكرسي الرسولي، بالتركيز على عناصر الدولة. وتتمتع دولة الفاتيكان والكرسي الرسولي بالحصانات والسلطات بموجب القوانين الدولية المعترف بها. ويتم التمييز بينهما في إطار القانون الدولي من خلال الأنشطة التي يقوم بها كل منهما.
للفاتيكان جذور ضاربة في التاريخ، ولكنها لم تصبح بالشكل المستقل المتعارف عليه اليوم قبل السابع من يونيو عام 1929، فلم تكن العلاقة البابوية على توافق مع الحكومة الإيطالية عام 1870، إذ كانت الأخيرة تخوض مساعي لتوحيد الولايات الإيطالية آنذاك على يد فيكتور إمانويل، فقامت بضم الأراضي البابوية في إيطاليا انتهاءً بروما عام 1870، حيث قام إمانويل بحرمان البابا من مكانته كحاكم دنيوي، ولكنه فعليّاً لم يمس مكانته الدينية.
كان الاتجاه الدولي في ذلك الوقت يؤكد أن شخص البابا مقدس، وأن الكرسي البابوي محصن إزاء الحكم الملكي، وأن البابا يتمتع بالحق في إنشاء علاقات مع الخارج من خلال مندوبين سياسيين يمثلونه. وتلك المكانة العالمية، وذلك الارتباط الإجباري بإيطاليا، هما اللذان جعلا البابوية في حرج إزاء حكومة إيطاليا، وجعل الأخيرة في حرج إزاء البابوية التي كانت أشبه بأن تكون دولة داخل دولة، خصوصاً بعد أن نمت مكانة البابوية دوليّاً خلال الحرب العالمية الأولى.
كانت الفاتيكان دولة وشخصاً من شخصيات القانون الدولي العام حتى ما قبل عام 1870، ولكن بعد احتلالها من إيطاليا، فقدت ذلك الموقع في القانون الدولي، وتحولت علاقاتها مع إيطاليا وباقي الدول الأوروبية إلى صراع وتوتر محتدميْن، الأمر الذي دفع إيطاليا إلى إصدار قانون الضمانات لإعادة ترتيب علاقتها بالكرسي البابوي، لكن الأمر لم ينجح، واستمر التوتر قائماً بين الطرفين حتى معاهدة لاتران عام 1929، التي اعترفت من خلالها إيطاليا بالسيادة للكرسي الرسولي في مجال العلاقات الدولية، إضافة إلى سيادته على الفاتيكان وحق التمثيل الدبلوماسي مع جميع دول العالم، ومع إيطاليا نفسها.
تتقاطع وجهات النظر والأبحاث والدراسات حول الوضع القانوني للفاتيكان، فيما إذا كانت دولة أم شخصاً من أشخاص القانون الدولي؛ فلو اتفق على اعتبارها دولة، فإن الفاتيكان لا تستجمع العناصر والمقومات الرئيسية التي تميز الدولة، مثل القوة العسكرية والاقتصادية والبشرية، إلا أنه بحكم السيادة الروحية التي تتمتع بها، والتي تتجاوز حدودها الجغرافية، لتضم ما يزيد على مليار مسيحي كاثوليكي تابع لها حول العالم، إضافة إلى وضعها القانوني كدولة مستقلة معترف بها دوليّاً؛ فإن ذلك يعلل قدرتها على التأثير في العلاقات الدولية من خلال الدبلوماسية وشخصية البابا الدينية المقدسة روحيّاً.
وتظهر دبلوماسية الفاتيكان في قبول الاختلافات من أجل هدف أعلى وهو الإنسانية، من أجل بناء السلام العالمي، والحفاظ على القيم الإنسانية للثقافات والأديان المختلفة، باعتبارها مسؤولية تقع على عاتق الجميع، وتتطلب الالتزام وجهوداً متضافرة من أجل تحقيق ما تتطلع إليه الدول والشعوب، وهو الاستقرار والسلام والازدهار.